فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والمقصود من هذا الأسلوب: الانتقالُ إلى تذكيرهم بالخروج إلى بدر وما ظهر فيه من دلائِل عناية الله تعالى برسوله صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين.
و{ما} مصدرية.
والإخراج: إما مراد به الأمر بالخروج للغزو، وإما تقديرُ الخروج لهم وتيسيره.
والخروج مفارقة المنزل والبلدِ إلى حيننِ الرجوع إلى المكان الذي خرج منه، أو إلى حيننِ البلوغ إلى الموضع المنتقل إليه.
والإخراج من البيت: هو الإخراج المعيّن الذي خرج به النبي صلى الله عليه وسلم غازيًا إلى بدر.
والباء في {بالحق} للمصاحبة أي إخراجًا مصاحبًا للحق، والحق هنا الصواب، لما تقدم آنفًا من أن اسم الحق جامع لمعنى كمال كل شيء في محامد نوعه.
والمعنى أن الله أمره بالخروج إلى المشركين ببدر أمرًا موافقًا للمصلحة في حال كراهة فريق من المؤمنين ذلك الخروج.
وقد أشار هذا الكلام إلى السبب الذي خرج به المسلمون إلى بدر، فكان بينهم وبين المشركين يوم بدر، وذلك أنه كان في أوائل رمضان في السنة الثانية للهجرة إن قفلت عيرٌ لقريش فيها أموال وتجارة لهم من بلاد الشام، راجعة إلى مكة، وفيها أبو سفيان بن حرب في زهاء ثلاثين رجلًا من قريش، فلما بلغ خبر هذه العير رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب المسلمين إليها فانتدب بعضهم وتثاقل بعضٌ، وهم الذين كرهوا الخروج، ولم ينتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم من تثاقلوا ومن لم يحْضر ظهرهم أي رواحلهم فسار وقد اجتمع من المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر خرجوا يوم ثمانية من رمضان، وكانوا يحسبون أنهم لا يلقون حربًا وأنهم يغيرون على العير ثم يرجعون، وبلغ أبا سفيان خبر خروج المسلمين فأرسل صارخًا يستصرخ قريشًا لحماية العير، فتجهز منهم جيش، ولما بلغ المسلمون وادي ذفرَان بلغهم خروج قريش لتلقي العير، فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشاروا عليه بالمضي في سبيله وكانت العير يومئذ فاتتهم، واطمأن أبو سفيان لذلك فأرسل إلى أهل مكة يقول إن الله نجى عيركم فارجعوا، فقال أبو جهل لا نرجع حتى نَرِد بدرًا وكان بدرٌ موضع ماء فيه سوق للعرب في كل عام فنقيم ثلاثًا، فننحرَ الجُزر ونسقي الخمر وتعزف علينا القيان، وتتسامع العرب بنا وبمسيرنا فلا يزالوا يهابوننا ويعلموا أن محمدًا لم يصب العير، وأنا قد أعضضناه، فسار المشركون إلى بدر وتنبكتْ عيرهم على طريق الساحل وأعلم الله النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فأعلم المسلمين، فاستشارهم وقال: العيرُ أحبُ إليكم أم النفير، فقال أكثرهم العير أحب إلينا من لقاء العدو، فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أعاد استشارتهم فأشار أكثرهم قائلين: عليك بالعير فإنا خرجنا للعير فظهر الغضبُ على وجهه.
فتكلم أبو بكر، وعمر، والمقداد بنُ الأسود، وسعدُ بن عبادةَ، وأكثر الأنصار، ففوضوا إلى رسول الله ما يرى أن يسير إليه صلى الله عليه وسلم فأمرهم حينئذ أن يسيروا إلى القوم ببدر فساروا.
وكان النصر العظيم الذي هز به الإسلامُ رأسه.
فهذا ما أشار إليه قوله تعالى: {وإن فريقًا من المؤمنين لكارهون} وذلك أنهم خرجوا على نية التعرض للعير، وأن ليس دونَ العير قتال، فلما أخبرهم عن تجمع قريش لقتالهم تكلم أبو بكر فأحسن، وتكلم عمر فأحسن، ثم قام المقداد بن الأسود فقال يا رسول الله امضضِ لما أراك الله فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديكَ وخلفك، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى بَرْكِ الغماد بفتح باء برك وغين الغماد ومعجمة مكسورة موضع باليمن بعيد جدًا عن مكة لجادلنا معك من دونه حتى تبلغه.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشيروا عليّ أيها الناس» وإنما يريد الأنصار، وذلك أنهم حين بايعُوه بالعقبة قالوا يومئذ إنا بُرءاء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا فإذا وصلت إلينا فإنك في ذمتنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا فكان رسول الله يتخوف أن يكون الأنصار لا يرون نصرَه إلا ممّن دَهمه بالمدينة، وأن ليس عليهم أن يسير بهم من بلادهم، فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشيروا عليّ» قال له سعد بن معاذ والله لكأنّك تريدنا يا رسول الله قال: أجلْ قال: فقد آمنّا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحرَ فخصته لخضناه معك وما تخلف منا رجل واحد وما نَكْرَهُ أن تلقى بنا عدونا غدًا إنا لصبرٌ في الحرب صدقٌ في اللقاء لعل الله يريك بنا ما تقرُّ به عينُك فسِرْ بنا على بركة الله فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: سيروا وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين أي ولم يخص وعد النصر، بتلقي العير فقط فما كان بعد ذلك إلا أن زال من نفوس المؤمنين الكارهين للقتال ما كان في قلوبهم من الكراهية، وقوله: {وإن فريقًا من المؤمنين لكارهون} في موضع الحال من الإخراج الذي أفادته، ما المصدرية، وهؤلاء هم الذين تثاقلوا وقت العزم على الخروج من المدينة، والذين اختاروا العير دون النفيرِ حين استشارة وادي ذَفِرَان، لأن ذلك كله مقترن بالخروج لأن الخروج كان ممتدًا في الزمان، فجملة الحال من قوله: {وإن فريقًا من المؤمنين لكارهون} حال مقارنة لعاملها وهو {أخرجك}.
وتأكيد خبر كراهية فريق من المؤمنين بإن ولام الابتداء مستعمل في التعجيب من شأنهم بتنزيل السامع غير المنكر لوقوع الخبر منزلةَ المنكر لأن وقوع ذلك مما شأنه أن لا يقع، إذ كان الشأن اتباع ما يحبه الرسول صلى الله عليه وسلم أو التفويضَ إليه، وما كان ينبغي لهم أن يكرهوا لقاء العدو.
ويستلزم هذا التنزيلُ التعجيبَ من حال المخبر عنهم بهذه الكراهية فيكون تأكيد الخبر كناية عن التعجيب من المخبر عنهم. اهـ.

.قال الشعراوي:

{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5)}
وكما تدل على تشبيه حالة بحالة، فهم قد رضوا بقسمة الله في الغنائم بعد أن رفضوها، وكذلك قبلوا من قبلُ أن يخرجوا لملاقاة النفير بعد كراهيتهم لذلك. لكنهم خرجوا وحاربوا وانتصروا ثم اختلفوا على الغنائم، ورضوا أخيرًا بقسمة الله تعالى والرسول عليه الصلاة والسلام.
فهل ذكر مسألة كراهيتهم للخروج إلى الحرب هي طعن فيهم؟ لا، فهذا القول له حيثية بشرية؛ لأن الذي يريد أن يخوض معركة لابد أن يغلب عليه الظن بأنه سوف ينتصر، وإلا سينظر إلى أن عملية الخروج إلى القتال فيها مجازفة. وكان المسلمون في ذلك الوقت قليلي العدد، وليس معهم عُدَد، بل لم يكن لديهم من مراكب إلا فرسان اثنان. وكان خروجهم من أجل البضائع والعير، لا لملاقاة جيش كبير، وهكذا لم تكن الكراهية لهذه المسألة نابعة من التأبي على أوامر الله تعالى، أو مطالب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكنهم نظروا إلى المسألة كلها بالمقاييس البشرية فلم يجدوا فيها التوازن المحتمل.
ويريد الله أن يثبت لهم أنهم لو ذهبوا وانتصروا على العير فقط، لقيل عنهم إنهم جماعة من قطاع الطرق قد انقضوا على البضائع ونهبوها، فلم يكن مع العير إلا أربعون رجلا، والمسلمون ثلاثمائة ويزيدون، ومن المعقول أن ينتصروا، ولكن ربنا أراد أن ينصرهم على النفير الذي استنفره الكفار من مكة، هذا النفير الضخم في العدد والعدة ويضم جهابذة قريش وصناديدها، وتتحقق إرادة الحق في أن يزهق الباطل.
{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ المؤمنين لَكَارِهُونَ}.
والخروج من البيت هنا مقصود به خروج الرسول من المدينة لملاقاة الكفار، وهذا الفريق من المؤمنين لم تخرجهم الكراهية عن الإيمان؛ لأن معنى فريق هم الجماعة الذين يفترقون عن جماعة ويجمعهم جميعًا رباط واحد، فالجيش مثلًا يتكون من فرق، يجمعهم الجيش الواحد.
وهذه الفرق التي يأتي الحديث عنها هنا هي الفرق التي كرهت أن تخرج إلى القتال رغم أنهم مؤمنون أيضًا، ونعلم أن كراهية القتال أمر وارد بالنسبة للبشر، وسبحانه وتعالى القائل: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القتال وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وعسى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وعسى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ والله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
في قوله: {كَمَا أَخْرَجَكَ} عشرون وجهًا:
أحدها: أنَّ الكاف نعتٌ لمصدر محذوف تقديرهُ: الأنفالُ ثابتةٌ للَّه ثبوتًا كما أخرجك، أي: ثبوتًا بالحقِّ كإخراجك من بيتك بالحقِّ، يعني لا مرية في ذلك، ووجه هذ التَّشبيه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا رأى كثرة المشركين يوم بدرٍ، وقلَّة المؤمنين قال: مَنْ قتل قتيلًا فله كذا، ومَنْ أسر أسيرًا فله كذا، لِيرغِّبَهُم في القتال، فلمَّا انهزم المشركون قال سعدٌ: يا رسول اللَّهِ إنَّ جماعة من أصحابك وقومك فدوك بأنفسهم، ولم يتأخَّرُوا عن القتال جُبْنًا، ولا بُخْلًا ببذل مهجتهم، ولكنَّهم أشفقوا عليك من أن تُغتال، فمتى أعطيت هؤلاء ما سميته لهم؛ بَقِيَ خلقٌ من المسلمين بغير شيء؛ فأنزل اللَّهُ تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال قُلِ الأنفال للَّهِ والرسول} [الأنفال: 1] يصنعُ فيها ما يشاء، فأمسك المسلمون عن الطَّلبِ، وفي أنفس بعضهم شيء من الكراهة وحين خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى القتال يوم بدر كانوا كارهين لتلك المقالتة على ما سنشرحه، فلمَّا قال: {قُلِ الأنفال للَّهِ والرسول} [الأنفال: 1] كان التقدير: أنَّهم رضوا بهذا الحكم في الأنفالِ وإن كانُوا كارهين له كما أخرجك ربك من بيتك بالحقِّ إلى القتال، وإن كانُوا كارهين.
الثاني: قال عكرمةُ: تقديره: وأصلحوا ذات بينكم إصلاحًا كما أخرجك، وقد التفت من خطاب الجماعة إلى خطاب الواحد.
والثالث: تقديرهُ: وأطيعوا اللَّهَ ورسولهُ طاعةً محققةً ثابتةً كما أخرجك، أي: كما أنَّ إخراج اللَّه إياك لا مرية فيه ولا شبهة.
الرابع: تقديره: يتوكَّلون توكلًا حقيقيًا كما أخرجك ربُّك.
الخامس: تقديره: هم المؤمنون حقًّا كما أخرجك فهو صفةٌ لـ {حقًا}.
السادس: تقديره: استقرَّ لهم درجاتٌ وكذا استقرارًا ثابتًا كاستقرار إخراجك.
السابع: أنَّهُ متعلقٌ بما بعده تقديره: يجادلونك مجادلةً: كما أخرجك ربك، قال الكسائيُّ الكاف تتعلَّقُ بما بعده وهو قوله: {يُجَادِلُونَكَ فِي الحق} [الأنفال: 6] والتقدير: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق} على كره فريق من المؤمنين كذلك هم يكرهون القتال ويجادلونك فيه.
الثامن: تقديره: لكارهون كراهيةً ثابتةً: كما أخرجك ربُّك أي: إنَّ هذين الشيئين الجدال والكراهية ثابتان لا محالة كما أنَّ إخراجك ثابت لا محالة.
التاسع: أنَّ الكافَ بمعنى إذ، ومَا زائدة، والتقديرُ: اذكر إذ أخرجك وهذا فاسدٌ جدًّا، إذ لم يثبتْ في موضعٍ أنَّ الكاف تكون بمعنى إذ وأيضًا فإنَّ ما لا تزاد إلاَّ في مواضعَ ليس هذا منها.
العاشر: أنَّ الكافَ بمعنى: واو القسم، وما بمعنى الذي واقعةٌ على ذي العلم مُقْسَمًا به.
وقد وقعت على ذي العلم في قوله: {والسماء وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: 5] {وَمَا خَلَقَ الذكر والأنثى} [الليل: 3] والتقدير: والذي أخرجك، ويكون قوله: {يُجَادلُونكَ} جواب القسمِ وهذا قول أبي عبيدة.
وقد ردَّ النَّاسُ عليه قاطبةً، وقالوا: كان ضعيفًا في النَّحو.
ومتى ثبت كون الكافِ حرف قسمٍ، بمعنى الواو؟ وأيضًا فإن: يُجَادلُونكَ لا يصحُّ كونه جوابًا؛ لأنَّهُ على مذهب البصريين متى كان مضارعًا مثبتًا؛ وجب فيه شيئان: اللاَّمُ، وإحدى النونين نحو: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّن الصاغرين} [يوسف: 32] وعند الكوفيين إمَّا اللاَّمُ، وإمَّا إحدى النونين، ويُجادلُونكَ عارٍ عنهما.
الحادي عشر: أنَّ الكاف بمعنى على وما بمعنى: الذي، والتقديرُ: امْضِ على الذي أخرجك، وهو ضعيفٌ؛ لأنه لم يثبت كونُ الكاف بمعنى على ألبتة إلاَّ في موضع يحتمل النزاع كقوله: {واذكروه كَمَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 198].
الثاني عشر: أنَّ الكاف في محل رفع، والتقدير: كما أخرجك ربك فاتَّقُوا الله، كأنَّهُ ابتداءٌ وخبر.
قال ابن عطيَّة: وهذا المعنى وضعهُ هذا المفسِّر وليس من ألفاظ الآية في ورد ولا صدر.
الثالث عشر: أنَّها في موضع رفعٍ أيضًا والتقدير: لهم درجاتٌ عند ربهم ومغفرةٌ ورزقٌ كريم هذا وعدٌ حقٌّ كما أخرجك، وهذا فيه حذفُ مبتدأ وخبر، ولو صرَّح بذلك لم يلتئم التشبيه ولم يحسن.
الرابع عشر: أنَّها في موضع رفع أيضًا والتقدير: وأصلحُوا ذات بينكم، ذلكم خيرٌ لكم، كما أخرجك، فالكافُ في الحقيقة نعتٌ لخبر مبتدأ محذوف، وهو ضعيفٌ لطولِ الفصلِ بين قوله: {وأصْلِحُوا}، وبين قوله: {كما أخرجك}.